البعد التاريخي في الوصايا الاجتماعية لمحمد بن مكي العاملي (ت 786 هـ / 1384 م)

الملخص

يُعَدّ الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي، المولود في جبل عامل ببلاد الشام سنة 734هـ / 1334م، من أبرز العلماء الإمامية في العصر المملوكي. فقد جمع بين التعمق الفقهي والاعتدال الفكري، وتميز بانفتاحه على المذاهب الإسلامية الأخرى، وسعى إلى تعزيز العلاقة بين مدرستي العامة (أهل السنة) والإمامية (الشيعة).

نال مكانة مرموقة بين العلماء، غير أن مسيرته انتهت نهاية مأساوية، إذ راح ضحية مؤامرات وتهم كيدية باطلة أدت إلى إصدار حكم بإعدامه في عهد السلطان الظاهر برقوق سنة 786هـ / 1384م. ورغم ذلك، خلّف وراءه إرثًا علميًا ضخمًا، لا سيما في الفقه، لا تزال آراؤه وفتاواه معتبرة حتى اليوم، كما خلّف مؤلفات مهمة في الأخلاق، الحديث، العقائد، وعلم الكلام.

ومن أبرز ما تركه الشهيد الأول مجموعة من الوصايا التي وجهها لأتباعه في مدينة دمشق، تنوعت بين دينية، علمية، واجتماعية، إلا أن الوصايا الاجتماعية هي محور هذا البحث. وتُظهر هذه الوصايا وعيًا تاريخيًا وسياسيًا عميقًا، إذ حاول الشهيد الأول من خلالها رسم صورة واقعية للوضع السياسي والاجتماعي في العصر المملوكي، ووضع منهاجًا يحث فيه أتباعه على الحذر والوعي والتفاعل الواعي مع مجريات الأحداث، بما يسهم في حماية وجودهم الفكري والاجتماعي وضمان استمرارية التشيع كمؤسسة دينية.

ينقسم هذا البحث إلى ثلاثة مباحث رئيسية:

1. المبحث الأول: يستعرض سيرة الشهيد الأول، مكانته العلمية، وعلاقته بالسلطة المملوكية حتى استشهاده.
2. المبحث الثاني: يتناول وصاياه التي وجهها لأتباعه حول كيفية التعامل فيما بينهم، مع دراسة أبعادها التاريخية.
3. المبحث الثالث: يسلط الضوء على وصاياه المتعلقة بالتعامل مع باقي أفراد المجتمع، وتحليل الانعكاسات الاجتماعية والتاريخية لهذا التفاعل.