تطور تقنيات الاتصال وتأثيرها على النظريات القائمة في مجال الإعلام نظرية حراسة البوابة انموذجا

الملخص

يهدف البحث لاستكشاف ما اذا كانت التطورات التقنية والتكنولوجية التي حدثت خلال العقدين الماضيين اثرت على نظرية حراسة البوابة، اذ يلاحظ ان التطورات التقنية والتكنولوجية خلال السنوات الاخيرة اتاحت لكل شخص القدرة على ان ينشر اي معلومة دون الحاجة الى حارس البوابة في وسائل الاعلام التقليدية، لذا نرى ان هنالك تصاعد في حدة النقد الموجه الى النظرية التي تعد من النظريات الاساسية في علم الاتصال، اذ ان معظم الذين ينتقدون النظرية يدعون بانها لاتتلائم مع المتغيرات التي فرضها التطور التقني والتكنولوجي في حقل الإعلام، ومن هنا نشأت فكرة البحث لدراسة النظرية والوقوف على اهم المتغيرات والعوامل التي خلقتها ظروف التحول التقني التكنولوجي والتي رسمت ملامح البيئة الاتصالية الحديثة، ولمعرفة ما إذ كانت حدت من قدرة النظرية على تفسير العوامل التي تتحكم في ظروف تدفق الرسائل الاتصالية وصولاً الى الجمهور، ومن هنا انطلقت مشكلة البحث والتي تم التعبير عنها بطرح مجموعة من التساؤلات التي تمثل مشكلة البحث للوصول لاجابات علمية دقيقة لها.

بدأ الباحث بمراجعة تارخية لجذور نشأت النظرية العلمية على يد الباحث كرت لوين، وتتبع السياق الذي ظهرت فيه النظرية واهم مراحل تطورها والدراسات التي اجريت عليها من قبل الكثير من الباحثين التي تصدوا لدراسة النظرية وعملوا على وضع مفهوم متكامل لها، كما تم تسليط الضوء على الجدل بين الباحثين حول اهم العوامل المؤثرة في عمل حارس البوابة.

ثم قام الباحث باستعراض اهم التطورات التقنية والتكنولوجية في حقل الاتصال وما ترتب عليها من اثار غيرت شكل العملية الاتصالية، اذ ان التغيير التقني التكنولوجي لايحدث ولا يستمر لذاته بل لابد ان يقود الى جملة من التحولات في المجالات المرتبطة به وخصوصا في حقل الاتصال وتبادل المعلومات، وبالتالي لابد ان يقود الى تغيير المفاهيم التي تحكم العملية بشكل كامل.

وعليه قام الباحث باستعراض أهم ما يدور وما يطرح من اراء ورؤى علمية حول الآثار التي ترتبت على تطور تقنيات وانماط الاتصال والتي تحول فيها الجمهور الى طرف فاعل، ليس مستقبل ومستهلك للمعلومة فحسب، بل طرف قادر على المشاركة والتفاعل والتحول من مستقبل الى مرسل وهذا ما اثر على وظيفة حارس البوابة بحسب منتقدي النظرية.

وبعد ذلك قام الباحث بعمل مسح لاراء المراسلين والمحررين كحراس بوابة لمعرفة تأثر وظيفتهم بالتطورات التقنية والتحولات في حقل الاعلام، اذ قام الباحث باعداد استبانة تضمت مجموعة من الاسئلة التي غطت موضوع البحث لقياس مدى تأثر نظرية حراسة البوابة بالعوامل المذكورة.

وقد توصل البحث الى مجموعة من النتائج المهمة ومنها:

• اشارت نتائج الدراسة ان ما يفوق 96% من عينة البحث يرون ان القائم بالاتصال كحارس بوابة لايزال يراعي اعتبارات كثيرة قبل نشر الاخبار، وان اهم الاعتبارت التي تأتي في المقام الاول بحسب نتائج الدراسة سياسة المؤسسة الاخبارية التي يعمل لصالحها، فيما جاءت الاعتبارت الاخرى التي يراعيها القائم بالاتصال تباعاً، والتي تتمثل بالاعتبارات المهنية، والجمهور، وخشية المساس بالاحزاب والحركات السياسية، والمعلنون.
• اشارت نتائج الدراسة ان اغلب افراد العينة الذين شملتهم الدراسة وبما يزيد عن 65% يحجبون بعض الاخبار عن النشر، فيما اشارت الدراسة ايضا الى ان ما يقارب 65% من افراد العينة يعملون على الابتعاد عن تغطية الاحداث التي ممكن ان تسبب لهم متاعب مع جهات سياسية معينة.
• اظهرت نتائج الدراسة الميدانية ان غالبية افراد العينة الذين خضعوا للدراسة يرون ان التقنية المعاصرة كان لها تأثير واضح على نظرية حراسة البوابة، لايمكن تجاهله غير ان هذا التأثير لا يلغي نظرية حراسة البوابة كما ذهب البعض وانما النظرية قائمة ولاتزال فاعلة في ميدان العمل الصحفي.

فنظرية حراسة البوابة ترتبط الى حد ما بغرف الاخبار، وتتحكم بها دوافع كثيرة، كما ان وسائل الاعلام الجديد لم تلغي وسائل الاعلام التقليدية، وانما لاتزال المؤسسات الاعلامية والاخبارية العالمية والاقليمية والمحلية فاعلة وناشطة وحاضرة بقوة كمصدر اخباري ومعلوماتي بالنسبة لافراد الجمهور، كما انه من غير الصحيح القول ان وسائل الاعلام الجديد الغت الوسائل القديمة

فمن خلال النتائج الميدانية للبحث نرى ان ما يفوق تلثي افراد العينة 66,67% يرون ان النموذج التقليدي لحراسة البوابة يحتاج الى اعادة صياغة في ظل التطورات الحديثة لتقنيات الاتصال كي يتلائم مع المتغيرات الحاصلة في ميدان الاتصال. فيما ذهب اكثر من 28% من افراد عينة الدراسة الى ان نظرية حراسة البوابة لاتزال فاعلة في مجال الاعلام ولم تتأثر بالتطور التقني الحاصل في مجال الاعلام.

واذا امعنا النظر في النتائج اعلاه، نرى ان النتيجتين غير متعاكستين وانما تكمل إحداهما الأخرى، فالقول بان النظرية تحتاج الى اعادة صياغة في ظل التطورات الحالية لتقنيات الاتصال يعني انها لاتزال عاملة وفاعلة في ميدان الاعلام ولم يؤدي التطور التقني الى انهاء النظرية، وانما تحتاج الى مراجعة في ظل التطورات الحديثة وما ترتب عليها من اثار، فالنتائج السابقة تشير بشكل واضح ان النظرية فاعلة بالنسبة للعاملين على نقل الاخبار.

فيما يرى 5% فقط من افراد العينة ان النظرية لم تعد قائمة في ظل التطور التقني الحاصل في ميدان الاتصال، وهنا لا يمكننا ان نعول على هذ النتيجة، اذ ان الذين يرون ذلك هم نسبة ضئيلة جدا، كما ان هذا الرأي يخالف جميع المؤشرات والنتائج الاخرى للدراسة، والتي تشير الى ان نظرية حراسة البوابة فاعلة وحاضرة في عمل القائم بالاتصال كحارس بوابة، اذ لاحظنا ان القائم بالاتصال يراعي اعتبارات كثيرة قبل نشر الاخبار: كالسياسية الإخبارية للقناة، والاعتبارات المهنية والخوف من التصادم مع الاحزاب والقوى السياسية الفاعلة في الساحة وغيرها من العوامل المؤثرة في عمل حراسة البوابة.